قصائد للشاعر الكبير محمود درويش

قصائد للشاعر الكبير محمود درويش





1)أناشيد كوبية

مقدمة

أنا لم ألمس قصب السكر
و الأرضَ الخضراء
لم أركب قارب صيادٍ في البحر الكاريبي
لم أضرب قطرة ماء
لم أنزل فندقَ سياح غرباء
لم اسكر في هافانا من عرق الفقراء
لم اغمس قلمي في جرح البؤساء المحرومين
لم أقرأ أدب الشعراء الكوبيين
لكن ، عندي عن كوبا اشياء... و اشياء
فكلام الثورة نورٌ... يقرأ في كل لغات الناس
و عيون الثورة شمس... تمطر في كل الأعراس
و نشيد الثورة لحن ... تعرفه كل الأجراس
و الراية في كوبا... يرفعها نفس الثائر في الاوراس
و جذور الثورة مهما مدت اغصانا ....
تنبت من نفس المتراس
و اللهب الازرق و الاحمر و الاخضر
يبدأ من غضب واحد
فتدفأ و اصنع لهبا آخر
يا شعبا يشعر بالبرد
و ترمد ! و اختر اقرب لحد
يا من يبتاع الثورة بالورد !

النشيد الأول

( 1 )

كوبا كانت عارية .... حافية القدمين
تعدو في حقل السكر حافية القدمين
تسكن كوخا من طين
تلحس صحنا ....
تسكر من رائحة الافيون

( 2 )

كوبا كانت حسناء صغيره
خدعوها ، اغروها بالغزل العاري
قالوا : صدرك يا كوبا غابات مترفة الاشجار
شفتاك السكر، و الثمر الحالم
نهداك خمور ، فاسقينا
اسقي زائرك الهائم !!

( 3 )

كوبا كانت حسناء صغيره
لما كبرت ، عملت خادمة في المقهى
لما حبلت ، وضعت اطفالا مشلولين
جروا عربات الاسياد الحضريين
زرعوا السكر ..... و الدم
زرعوا ما أكلوا .... كان نصيبهم العلقم !
(( فالعين بصيره
و الكف قصيره )) !

( 4 )

كوبا كانت حسناء صغيره
لما كبرت
ربطوها بالصخرة ، لكن أرخوا...
حلقات الحبل المسعوره !
كي تعمل في الحقل نهاراً .... و تعود
في الليل لمخدعها ، تعطي دون حساب ، و تجود
فالفندق مزدحم بالسياح
و الدرب الى كوبا ، لافتة تلمع من دم بنيها !
((كوبا ، اجمل ارض عرفتها عينا انسان
كوبا ، ارخص حسناء
كوبا، لا ترفض ، تعطي من شاء
و الناس عبيد فيها ... الا الغرباء !))

النشيد الثاني

( 1 )

الشاطئ اسوار بشريه
و الأرض لهب !
لن تعبر نسمات الريح الغربيه
الأرض لهب !
و جنودها الغازي الوحشيه
للنار حطب !
فاحذر يا حامل نار ...
في درب الريح الكوبيه !

( 2 )

الشاطئ اسوار بشريه
و البحر مقابر
و الريح خناجر
كوبا باقية أماً.... تلد الثورات
و ليست جارتها عاقر !
أقوى منها ، ليست غابات الغادر
فشقاء بنيها غضب .. غضب هادر
فاحذر يا حامل نار...
في درب الريح الكوبيه !

( 3 )

البحر قراصنة ، لا تبحر يا صياد
جوعوا يا أولاد !
فاشمخ يا أكبر قرصان
لن تجلد الا ظهرك.... الا ضهرك يا جلاد
هذا زمن .. لا يأكل فيه الانسان الانسان
ما دام الشعب ، و موسكو ، و الانسان
فاشرب نخب الدود، و نخب حضارتكم ،
اشرب نخب الخذلان
اشرب يا قرصان !

( 4 )

كي تبقى زوجتك الحسناء
تتراقص .. لا فوق الاشلاء
تطلي شفتيها .. لا من دم البؤساء !
كي تبقى طفلتك العذراء
تتسلى .... لا بجماجم
تسبح .... لا في بحر دماء !
كي تبقى زوجتك الحسناء
كي تكبر طفلتك العذراء
دع قاربنا حراً .. يا قرصان !!

النشيد الثالث

( 1 )

ان عاد رفاقي من دوني لا تبكي يا أمي !
عيناك و كوبا ، اغلى من دمي
و حياتكما احلى من موتي
فسلاماً... و بقاءاً.... يا كوبا
يا كوبا....
يا أمي !

( 2 )

لا وقت لدي الآن
لاقص حكاية موتي
لا وقت لديه.... فشفاه الجرح الساديه
تستنزف عمري .. تأكل آخر وقتي !
لكن ، لا تبكي أنت ِ !
ما دام دمي قطرات من زيت
يسقي مصباح الحريه !
لا تبكي أنت ..
ما دامت كوبا حيه !

( 3 )

الدمع على الشهداء الاحياء
عار يا أمي !
صلي للأرض الخضراء
ان تعطي خبزا لبنيها !
صلي للناس الاحياء
ان يبقوا اسياداً فيها !
أنا لم آكل خبزي .. يا أمي
حتى من لحمي .. كان طعام الاعداء
و غدا تأكله .. تأكل لحمي
اطيار الغابات السوداء
لكن ، يبقى الخبز و كوبا
للكوبيين الاحياء !

( 4 )

قبري .. يا أمي ! .. ليس لقبري عنوان
أنا حي في كل مكان
أمشي .. لكن مالي قدمان
أحكي .. لكن من دون لسان
و أرى .. لكن مالي عينان
أنا حي في كل مكان
أنا ربٌ عصريٌ...
من صنع الثورة .. و الاحزان !

النشيد الرابع

( 1 )

عيناك السوداوان ، و منديل ، و شهيد
جاؤوني الليله
لا أنسى شيئا يا حبي
قلبي ، لا يرشح شيئا .. قلبي
إني في الخندق أرصد قرصانا ... و أبيد
قرصانا ، لا انسى .. لا انسى .. و اعيد
ساعات الميعاد:
قمراً اخضر في ليلة صيف ، وورود
اهديها في عيد الميلاد !

عيناك السوداوان ، و منديل ، و شهيد
يا حبي الاسمر
يا قصب السكر
يا نجما محبوساً بجدائل غاباتٍ سود
يا زنبقة ... تنبت في بركة دم ...
في صدر شهيد
سنعيد يوما يا حبي
سنعيد مع كوبا ، مع كل الناس ، مع الفرحه
فلأزرع في الخندق غصناً ، حتى تكتمل الدوحه
لا تنسي !
موعدنا حين يرف على كوبا العيد
فتحياتي ، حتى آتي و رفاقي بالعيد....
لكن ، منديل الذكرى الاخضر
قد صار ضماد شهيد !
جاري في الخندق .. صار شهيد !

( 2 )

الشارع ليس تراباً .. ليس حصى !
الشارع امطار ورود ٍ و اغان ِ
يا حبي !.. يا نسري العائد من أرض الميدان
قبلني في الساحة .. هذا يوم الحب الحاني
الحب لنا .. العيد لنا
يا حامل سمفونية نيسان ‍!
قل لي ما عندك ..
ما كان حراما ..و حلالا للرجل الثاني !
الشارع ليس تراباً ، ليس حصى
الشارع شريان يسكب في شريان
و القمر الكوبي إله لا يغفو ..
لا يترك حباً دون حنان !
و الشاطئ ميناء كواكب لا حانة قرصان !
و السكر ليس مشانق .. قد صار عرائس مرجان
يا حبي .. يا نسري العائد من أرض الميدان
عيناك السوداوان .. و كوبا .. و النصر القاني ..
اعيادي .. اعياد التاريخ ..وافراح الانسان
في كل زمان و مكان ! ..
_______________________________
2)
حبنا

حبنا بلبلٌ .. و شوكة ُورده
فافرشي لي على الجراح مخدّه
لا أحب النشيد إلا شهيداً
ينزف الروحَ و الحشا بمودّه
عندما رفّ في الفضاء جناحي
و هبطتُ البستانَ أعشق ورده
كنت لا أسألُ الطريق رجوعاً
ليس في الحب أيّ دربٍ ... لعوده !
______________________________
3)

وهم

يا ضحكة َ العينين ، لا تتجبري
لا ... لن يُصدّقَ قلبيَ الموهومُ !
أرجوك ! غَطي بالوعودِ بدايتي
ودعي المصيرَ.. كما المصيرُ يرومُ
أنا عارفٌ أن الرماد نهايتي
مادمتُ حولَ لظى الشفاهِ أحومُ !
لكنني - و حياة أبخل بسمةٍ
يعتز فيها عمري المهزومُ
راض ٍ بأي نهايةٍ ما دام في
حضن الملاك ضريحيَ المرحومُ !!
____________________________
4)
غزلية


ألقت تحيتها و مرّت كالجناح
وأنا على الأسفلت واقف !
يا حلوة ً طاردتُها منذ الصباح
لكنني ما زلت خائف !
سأقول عن عينيك أجمل ما يقال
لو نلتقي في العمر يوم
سأقول للصدر المحمل بالغلال :
يا ليتني ناطور كرم !
أأزور منزلها و لكن ما أقول
ماذا أريد
أأقول من فرط الفضول :
يا ليتني ساعي بريد !
____________________________
5)
الموعد الآخر


نقول : شكراً للطريق الذي
لمّ خطانا من مدىً أسودِ
نقولُ : شكراً للقطار ِ الذي
توأمنا في ذلك المقعد
نقول : شكراً للزمان الذي
لملمنا من دونما موعدِ !
لمن يكون الشكرُ يا حلوتي
إن عاش قلبانا معاً .. في غد ِ ؟!